بدأ استخدام مصطلح “تعويم الجنيه” مؤخرًا بعد انتشار أخبار تشير إلى نية البنك المركزي تعويم سعر الجنيه (إما عن طريق خفض القيمة أو التعويم التام) من خلال إجراء تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي والحصول على تمويل بقيمة 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، ويشمل ذلك إدخال سياسات مرنة لسعر الصرف، وفي هذا السياق سنتعرف أكثر عن مصطلح “تعويم الجنية” وكل ما يخصه.
ما هو تعويم الجنيه المصري؟
يتم التخلي عن أسعار الصرف العائمة، أو ما يُسمى “تعويم الجنيه”، وذلك بجعل سعر صرف عملة مساوية لأخرى، مما يؤدي إلى التحرير الكامل دون تدخل الحكومات أو البنوك المركزية بشكل مباشر في تحديده. ولذلك فإنه يحدث تلقائيًا بناءً على آلية العرض والطلب في سوق العملات النقدية.
والتي من خلالها يتم تحديد سعر صرف العملة المحلية مقابل العملة الأجنبية، كما تتغير أسعار الصرف العائمة باستمرار استجابة للتغيرات في الطلب والعرض من العملات الأجنبية ويمكن أن تتغير عدة مرات في اليوم.
وتعني كلمة التعويم ببساطة هو عدم تحديد سعر عملة دولة معينة، بل السماح لها بالتحرك والتغير بالنسبة للعملات الرئيسية حسب العرض والطلب؛ ونتيجة لذلك يرتفع السعر بسبب زيادة الطلب على العملة والعكس صحيح. ولذلك، عند اتباع نهج التعويم المطلق، لا يستهدف البنك المركزي سعرًا محددًا لعملته، وبدلا من ذلك، فإن سعر العملة هنا يشبه سعر الذهب والمعادن الأخرى، ويمكن أن يتغير يوميا وحتى كل ساعة في الأسواق العالمية.
أنواع التعويم
التعويم الخالص
وأيضًا يُسمى التعويم الحر وتعني الحرية الكاملة في تغيير وتحديد أسعار الصرف مع مرور الوقت وفقا لآليات العرض والطلب وقوى السوق، دون تدخل الحكومة. ومع ذلك، لا يلزم سوى تدخل السلطات النقدية للتأثير على سرعة تغيرات أسعار الصرف والحد من هذا التغيير.
وقد تم اعتماد نهج العملة الحرة التعويم هذا من قبل بعض الدول المتقدمة ذات الأنظمة الرأسمالية الصناعية، مثل الجنيه الإسترليني والفرنك السويسري والدولار الأمريكي.
التعويم الموجّه
يطلق عليه أيضًا نظام التعويم المدار، وهو القدرة على تحديد أسعار الصرف بحرية حسب آليات العرض والطلب وقوى السوق، حيث تتدخل الحكومات بهذا النوع من التعويم من خلال بنوكها المركزية عندما تحتاج إلى توجيه سعر الصرف في اتجاه معين بالنسبة للعملات الأخرى.
ويتم ذلك اعتمادًا على عدد من المؤشرات، بما في ذلك نسبة انتشار العرض والطلب في سوق الصرف الأجنبي، والاتجاهات التي تحدث في أسواق الصرف الأجنبي المماثلة، والمستويات الآجلة والفورية لأسعار صرف العملات الأجنبية.
ولا ينطبق هذا النهج في التعويم على بعض البلدان ذات الأنظمة الرأسمالية فحسب، بل ينطبق أيضًا على بعض البلدان النامية. حيث ترتبط أسعار الصرف بالجنيه الإسترليني، أو الفرنك الفرنسي، أو الدولار الأمريكي.
أسباب تعويم الجنيه
وفقا لأساسيات ونظرية الرأسمالية، فإن انخفاض قيمة العملة يضعف الحصول على السلع بتلك العملة، مما يساعد على ضخ الأموال الساخنة في الاقتصاد، كما يعد تخفيض قيمة العملة أيضًا أسلوبًا تستخدمه بعض البلدان لزيادة قيمة المواد المستوردة، وهذا يجبر الناس على التخلي عن هذه المواد، ولذلك، فإن وتيرة الطلبات العالية تنخفض.
ولكن المشكلة هنا هي الاعتماد بشكل أساسي على الاستيراد، ونتيجة لذلك، يتحمل المواطنون تبعات التعويم، مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية، والتضخم، وانخفاض قيم المعيشة، وزيادة الفقر.
وأيضًا أحد الأسباب الرئيسية وراء سماح الحكومات تعويم الجنيه هو معالجة الاختلالات التجارية وارتفاع تكلفة الواردات مقابل الصادرات، وإذا تمكنت أي دولة من معالجة هذا الخلل في التوازن، فسيكون لذلك تأثير على خفض العجز التجاري.
وبالمناسبة، تستفيد بعض الدول من تعويم العملة مثل الصين. لأنه مع انخفاض قيمة العملة، تنخفض أسعار الأشياء وبالتالي تزداد درجة القدرة التنافسية لمنتجات البلاد في السوق العالمية، وهذا يجعل المستثمرين يأتون لدفع الأموال للحصول على الأصول والأسهم بأسعار أرخص، وهذا ما تفعله دولة مصر، حيث يتم تقديم تسهيلات كبيرة للمستثمرين وتحرير سعر الصرف لزيادة الصادرات للخارج.
تأثير تعويم الجنيه على المواطن
نظرًا لتدهور الوضع الاقتصادي ونقص النقد الأجنبي، سيؤدي تعويم الجنيه إلى زيادات كبيرة في الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه المصري، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار جميع السلع بشكل كبير، سواء كانت مستوردة أم لا.
وأيضًا وارتفاع معدلات التضخم، ولذلك يتم السعي إلى زيادة احتياطيات النقد الأجنبي ليس من خلال تنشيط السياحة أو زيادة الصادرات أو خفض الواردات، ولكن من خلال الودائع والقروض من عدة مصادر، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والصين والإمارات، ومؤخرا قرض من صندوق النقد الدولي.
تأثير العرض والطلب على الدولار على السعر
تعني نظرية العرض والطلب في السوق أنه عند استيراد البضائع من دول أخرى، حيث يتطلب الأمر مبالغ كبيرة من الدولارات لإتمام عملية الاستيراد، وهذا يؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار، مما يؤدي بدوره إلى ارتفاع سعر الدولار، ومن ناحية أخرى، إذا أرادت دولة أجنبية استيراد منتجات معينة من مصر، فسوف تدفع ثمن هذا البند بالدولار.
ولذلك، إذا كانت الصادرات أكثر من الواردات، فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض قيمة الدولار، مما يتسبب في نمو العملة المصرية وتعزيزها.
العوامل التي تؤثر على العرض والطلب
هناك عدة عوامل تؤثر على العرض والطلب على العملة الأمريكية، بما في ذلك الاستقرار السياسي المحلي الذي يجذب المستثمرين. وأيضًا الفارق بين الصادرات والواردات، وهل يُحقق فائض أم عجز في احتياطيات النقد الأجنبي، وأيضًا الفرق بين الفائدة على الدولار الأمريكي والجنيه المصري. وبالطبع تكون النتيجة لصالح الدولار مقابل الجنيه، وذلك سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد المصري ويزيد من الخطر عليه.
تأثير تعويم الجنيه السلبي
- عدم قدرة المنتجات المتوفرة في السوق المحلي على تلبية احتياجات السكان.
- من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، فإن زيادة الدعم للمواد الغذائية الأساسية في الأسواق المحلية يمكن أن يؤدي إلى زيادة الدين الدولي.
- يجب أن يتم تعويم الجنيه بعناية وفي الوقت المناسب للتطورات الاقتصادية. لأن هذه السياسة لا يمكنها تعزيز العمليات الاقتصادية دون وجود جهات اقتصادية قوية ومتنوعة.
- يجب تنفيذ هذه السياسة بعمليات إنتاجية مكثفة لتشجيع الإنتاج المحلي ولمواجهة عمليات الاستيراد والحد منها.
- حدوث مقاومة من رجال الأعمال المتأثرين ويمكن أن يكون له تأثير سلبي على الاقتصاد.
تأثير تعويم الجنيه على مدار الأعوام الماضية
في البداية 1 نوفمبر 2016، تم إطلاق برنامج الإصلاح. وكان الاقتصاد يشرف عليه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وانخفضت قيمة الجنيه بنحو 50% أمام الدولار الأمريكي، حيث بدأ معدل التضخم يرتفع بشكل ملحوظ، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، وتحسين الميزان التجاري.
عام 2022، انخفضت قيمة الجنيه بنحو 30% أمام الدولار الأمريكي، وارتفاع معدل التضخم، بالإضافة إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر، وتدهور الميزان التجاري، حيث كان التعويم الثاني في مارس 2022، عندما انخفض الجنيه من مستوى 15.77 جنيهًا إلى مستوى 19.7 جنيهًا مقابل الدولار والتراجع بنسبة 25%، بعد ذلك، انخفض الجنيه من مستوى 19.7 جنيهًا إلى 24.7 جنيهًا للدولار وتراجع بنسبة 25.4%.
كما في عام 2023، تقرر تخفيض الجنيه من مستوى 24.7 جنيهًا إلى مستوى 32 جنيهًا للدولار وانخفاضه بنسبة 30%، وتراجع 25.4% إلى 24.7 جنيها للدولار.
وخلاصة القول، يعتبر تعويم الجنيه المصري من القرارات الاقتصادية المهمة التي لها آثار متنوعة على الاقتصاد المصري، فمن المهم مراقبة نتائج التعويم مع مرور الوقت وتقييم تأثيرها بدقة.